مقال لا يقدم حل ولا يصف وضع ويمكن تصنيفه ك " طق حنك " للأسف الشديد
يتعافى المرء باصدقائه لكن الانظمة الصحية تحتاج الى ما هو اكثر من ذلك قليلا. في ظروف جائحة استثنائية وعالية الخطورة ليس فقط علي صحة المواطن فقط بل علي وظيفته و تعليم اولاده والاخطر حياته، تتكاتف جميع الجهود لمحاولة ان نتخطي المرحلة بدون ان نعلم يقينا متى ولا كيف تنتهي.
خطة ضخمه يقودها رئيس الوزراء و يتابعها رئيس الدولة ويشترك فيها اضلاع المثلث الاطباء و الحكومة والشعب ,الاطباء تمثلهم نقابتهم و وزارة الصحة تمثل الحكومة والشعب له ما له وعليه ما عليه
جائحة يقف في صفوفها الاولى طاقم طبي لطالما تعرضوا لدرجات مختلفة من التنمر وقلة المرتبات والتقدير. لا اتكلم هنا عن طبيبك الخاص الذى تحجز له قبلها باسابيع و تدفع جزء كبير من مرتبك ان لم يكن كله لتحظي ببضع دقائق وكلمات من حكمته وتشخصيه وانما اتكلم عن اطباء حديثى التخرج كنت تخاف ان يقتربوا منك في المستشفيات وتنعتهم ب " الامتياز اللي مش فاهمين حاجة " اولائك الذين يتأرجح طموحهم في العمل في مستوصف صغير او عيادة في اطراف المدينة والارياف الي عقد جيد في الخليج ويطير البعض عاليا ويحلم بالمعادلات والزمالات الاجنبية والسفر غربا فلم تعد احلام ان تتحسن مرتباتهم الحكومية او ان يقدم لهم تأمين صحي يكفل لهم معيشة طيبة ومعاش جيد بعد التقاعد تعبر في مخيلاتهم حاليا ولا حتي فكرة ان يتوقفوا عن الوثب ما بين مستشفي حكومى وخاص وعيادة لتوفير قدر معقول من الدخل المادي في ظروف اقتصادية لا تتعافى كثيرا. يشارك هؤلاء فريق من التمريض الذين ورثوا ارث قديم من الوصمه وقله التقدير والنظرة دائما بالتقصير والاهمال هذا اضافة الي فئة مهمشه من العمال الذين يساقون الي العمل في وسط هذا المارثون الضخم دونما هدف مادي يستحق او هدف معنوي يساند.
النقابة هي فكرة قديمة للجماعات الوسيطة قديما التي كانت تقوم لكل حرفة ويعمل عليها شيخ الحرفة كشيخ النجارين وشيخ الحدادين وكانت مهمته هي اصلاح ذات البين بين العاملين في هذه الحرفة وما بينهم وبين زبائنهم عند الحاجة ثم تطور الامر الي اتحادات عماليه للمطالبة بالحقوق ومنها الي نقابات وشعب لكل ما سبق. بقى النموذج الاول هو المسيطر علي فكر الجميع حتي مع مرور الوقت وفي وقت الازمات يتطلع الاطباء الي كرسى الدكتور علي باشا ابراهيم بدار الحكمة ويحزنهم كثيرا ان يجدوه كعرش الغزالة , خال من الملوك او من فيه هم ملوك لا يملكون ولا صوت لهم يسمع .
نقابة الاطباء تحديدا مازالت نقابة قوية غير مسيسة بالشكل المطلوب فعمومية المطرية تعتبر اكبر تظاهره سلمية فئوية حصلت منذ ٢٠١٣ وحتى ان لم تكن القرارات علي قدر الحدث و التجمع الا ان قوة الحشد و النتيجة النهائية ( حبس امناء الشرطة) لها اثر واضح علي تعاملات الدولة مع النقابة والاطباء عامة. حاولت الدولة ان توفر ظهير عسكري من الاطباء عبر اكاديمية طبية عسكرية ثم مركز تدريب الزامى وتغير الزمالة المصرية الي بورد مصري وتعديل شروط الدراسات العليا و عقد امتحان موحد لخريجي الطب الا ان هذا لم يصب كبد المشكلة ولاقى اعتراضات اكثر ما لاقي من تصفيق فمقدم الخدمة لم يشعر بتحسن في امكانيات محيط عمله ولا راتبه ولا شروط تدريبه و متلقي الخدمة لم يشعر بنظافة المستشفيى ومازال لا يثق في المستشفى الحكومى وطبيبه صغير السن
الجائحة اسرعت من وتيرة غضب متلقى الخدمة حيث حرم من معظم الاماكن التى كان يستطيع تلقي فيها خدمة طبية من عيادات خاصة و مستشفيات جامعية و خيرية او حتى خاصة بمبالغ بسيطة ولم يبق له الا مستشفيات خاصة بميزانيات استثمارية ومستشفيات الحكومة التى يخشاها والاطباء صغار السن الذين لا يحب التعامل معهم. الحكومة والتى بدات الخطة باطباء وعدتهم بمقابل مادى مجز واجازه عزل لفترة مماثلة و بمستشفيات تم تطويرها حديثا ظهرت للعامة كمعابد الفراعنة – عالية البنيان , غالية التجهيز – الا ان الجائحة استمرت مما اضطر الوزارة الي الدفع بالاطباء دون غطاء مادى مقبول و الي الدخول الي مشافي الحميات والصدر التى اهملت وانهكت لعده عقود كما تم اضافة اماكن للعزل بالمدن الجامعية والتى اكتشف الشعب فجأة انها موجودة ويسكنها طلاب وحاله بعضها لا يصلح كسكن شعبي وتم وضع المدن الجامعية التي تتبع اصلا وزارة التعليم العالى تحت اشراف وزارة التضامن وباشراف صحى من وزارة الصحة فضاعت الادارة تماما وظهرت بعض الاماكن بصورة لا تليق نهائيا وبرغم كل المحاولات وقفت بعض المدن بدهان مهترئ ومياه غير صالحة للشرب ترسم صورة لا تليق بكم العمل الفعلى لاحتواء الازمة
قامت الجائحة ب تعرية نظام صحي غير موجود حيث مراكز ومدن كاملة بدون تخصصات طبية دقيقة و محافظات كسوهاج بدون مستشفى واحده تصلح للحجر الطبى يجتمع بها عناية مركزة واشعة مقطعية واطباء متخصصين. الوزارة التي حاولت مع بداية ظهور الازمة عمل خط ساخن وصفحات علي مواقع التواصل الاجتماعى لم تستطع ان تحدث موقعها الرسمي الالكتروني لتضع عليه اخر بروتوكولات العلاج والعزل وتم تناقل هذه الملفات عبر واتساب وفيس بوك وخطة عزل منزل عبر جوجل درايف حتى اذا ما لاقت البروتوكولات فشلا او صخب اعلامى خرج متحدث الوزارة لينفيها او يوضح انها قيد الدراسة. قامت الحكومة مبكرا بالدفع بالتعليم العالى ومستشفياته الجامعية للعمل مع الصحة لاحتواء الازمة فجاء الرئيس بمستشار له استاذ امراض صدرية ووزير صحة سابق الا انه تم طمس وجوده ولم يرى الاطباء او المرضى اي تواجد له علي الارض والمستشفيات الجامعية تجهزت لاستقبال المصابين من داخلها ومن داخل اطقمها الطبية على ان تعمل علي نفس بروتوكولات العلاج القادمة اليها من وزارة الصحة عبر واتساب دون تفعيل لمجالس اقسامها العلمية التى تكتظ بالاساتذة في التخصصات الدقيقة التى يمكن ان يتم استخدمهم في ظروف استثنائية كهذه وتم الاكتفاء باللجنة العلمية لوزارة الصحة والتى وان ضمت اسماء اساتذة متميزين في تخصصهم الا انها لم توفر اي آليه للتواصل العلمي معهم او حتى تنسيق بروتوكولات الابحاث العلمية التى بدأت بمجهودات فردية من الباحثين وسوقت لها الوزارة كانجاز مجمع!
لم تقنن وزارة الصحة ولا نقابة الأطباء أوضاع العيادات الخاصة ولا كيفية تقديم خدمة صحية آمنه بها. تركت احد اهم ركائز تقديم الخدمة الصحية البسيطة لعموم المصريين لوعى مقدم ومتلقى الخدمة كما تركت قديما تسعير الكشف للعرض والطلب وامسك متلقى الخدمة في الطبيب يحمله عدم قدرته علي تحمل مصاريف العلاج متهما إياه بالتجارة بالمرض في حين ان الاثنين قد تركا معا دونما ضوابط واضحة.والان جاءت الوزارة لتترك الأطباء بلا إمكانيات كافية وبخط ساخن لا تصل درجة حرارته ابدا للطبيعية ودونما دعم فعلي لشباب الأطباء امام جائحة كاسحة ومتلقي خدمة غاضب ومعدوم الثقة . الوزارة لم تنظر جيدا لقوتها البشرية واحتسبتهم علي النقابة واحتسبتهم النقابة على الحكومة وحاسبهم الشعب علي منظومة صحية غير موجودة أساسا واحتسبهم اهليهم عند الله .
- الوضع حاليا في المجتمع المصرى ساخط علي الاطباء وعلي كل الممارسات الطبية وهو ما يجرد الاطباء من اي ظهير شعبي بعيدا عن محيط عائلاتهم الضيق والذي قد يغيب بدوره ايضا في حال انشغال الطبيب عن اهله خلال رحلته لتحصيل العلم وكسب الرزق. الشعب الذى ما بين خائف لا يخرج حتي يصاب بالوسواس وما بين مفرط يقضى وقته بلا اكتراث بالخارج دون اي حماية يجتمعمان معا علي عدم الثقة في الارقام الحكومية واحساسهم الدائم انه ثمه ما يحاك لتظهر الصورة هكذا.
ارى اننا نحتاج الي خطة فعلية لتوحيد الصف علي هدف واضح من تحسين اضلاع المثلث: علاقه المواطن بالطبيب والحكومة بما يتبع ذلك من قرارات صعبه من فصل العام عن الخاص وتوفير خدمه طبية مقبولة للجميع وتوفير فرص تدريب متكافئة وبيئة عمل امنه وداعمه انتهاءً الي دخل يتناسب مع مخاطر المهنة و معاش يكفل تقاعد كريم
الاطباء يحتاجون الي نقابة تتكلم بصوت عال بحلول واقعية او تستقيل ان لم يصل صوتها. الحكومة بحاجة الي توفير المستهلكات المطلوبة بكل المستشفيات مع توفير تواصل لحظي مع كل ممثلي الخدمة وتوفير ارقام واحصائيات صادقة تنقل حتى الفزع للناس ان كان هذا هو السبيل خير من ان تلومهم علي وعي مشوش باعلامي التصفيق . تحتاج الحكومة الي وجه مقبول للاطباء والمرضى يتولى الملف بصلاحيات عالية وميزانية صعب تواجدها خلال ازمة اقتصادية كهذه والشعب مطالب بالقليل من الكلام والكثير من الحذر.


تعليقات
إرسال تعليق